هل يغلب الذكاء الاصطناعي مصممي الغرافيكس؟

الذكاء الاصطناعي مصممي الغرافيكس

هل يمكن للذكاء الاصطناعي أن يحل محل مصممي الغرافيكس؟

يعد تصميم الغرافيكس من أهم مجالات العمل الإبداعية في يومنا هذا ، يزداد الطلب عليه لأن البشر كائنات بصرية، تتلقى المعلومة أسرع من خلال الصورة، حيث يمكن للصورة أن تختصر آلاف الكلمات، وهذا ما يقع على عاتق المصممين للمواد المرئية، من ابتكار لفكرة الصورة او شعارات، وما يليه من تنسيق للقوائم والألوان، والعناوين العريضة للمواقع، وغيرها من عمليات الانتاج المرئي، والتي يتم التواصل من خلالها مع الفئة المستهدفة بشكل جذاب وفعال، وهنا برز دور مصممي الغرافيكس في عصرنا الرقمي بعد ظهور أدوات العرض بين يدينا على مدار اليوم.

الذكاء الاصطناعي شريك داعم لا مفر منه في مهنة التصميم المرئي..

حسناً، يتطلب الإبداع مهارات التفكير البديل، أو التخيلي وخلق أفكار جديدة وفريدة من نوعها لتقديم شيء جديد، مما يتطلب من المبدع أن ينظر إلى الأشياء بمنظور مختلف والقدرة على تجاوز الحدود التقليدية، وهنا يكمن السؤال.. هل يمكن للكمبيوتر القيام بذلك؟

لا يمكن السخرية من قدرة الذكاء الاصطناعي بعد اليوم، خاصة بعدما أصبح جزءاً من حياتنا اليومية أبسطهم المساعدين الصوتيين وتقنيات التعرف على الوجه في هواتفنا الذكية، تطبيقات الملاحة وأتمتة التسويق والتواصل مع العملاء، فقد أصبح قادراً على المشاركة المعرفية والتواصل البصري واللغوي، كل هذا أصبح من أبجدياته، بالإضافة لكم البيانات الهائلة باتت متاحة للروبوتات البرمجية، ليقوم بتحليلها ومعالجتها للحصول على معلومة أو فكرة جديدة،  مما مهد الطريق لدفع حدود الذكاء الاصطناعي إلى أقصى حد في العلم والتسويق والتجارب، وأيضاً الإبداع.

نتيجة لهذا، برزت الاصوات المنتقدة لهذه الخطوة، بعدما أصبح من المسلمات أنه يمكن للذكاء الاصطناعي أن يهدد دخل شرائح من الناس في العديد من الوظائف، خاصة الروتينية منها والمكررة والمملة، أما الآن فيستجد في هذا الموضوع الساخن تقييم قدرة الذكاء الاصطناعي على الحلول محل الانسان، وذلك حتى في الوظائف التي تتطلب الفن الإنساني والابداع، وعلى رأسها مهنة تصميم الغرافيكس, لذا يلتفت العديد من أصحاب الأعمال وممتهني التصميم بأعين مفتوحة ومركزة نحو متابعة ما قد يصل إليه الذكاء الاصطناعي، في مجالات المهن الفنية بشكل عام, وتصميم الغرافيكس بشكل خاص، سنعرض في مقالنا هذا ماوصل اليه الذكاء الاصطناعي في مجال التصميم الفرافيكي..

استعانة الشركات التجارية الكبرى لتصميم حملات ترويجية

وهذا ما تحقق بالفعل في عام 2017 عند تنفيذ حملة تسويقية لبيع 7 ملايين مرطبان نوتيلا من خلال الذكاء الاصطناعي..

وهو مشروع ترويجي سُمي “Nutella Unica”، الذي وظفت فيه شركة نوتيلا الذكاء الاصطناعي عبر خوارزمية خاصة، بهدف تصميم 7 ملايين غلاف فريد من نوعه لكل مرطبان نوتيلا، تعكس تلك التصميمات سمة المتعة كأهم صفة للمنتج، من خلال التصميم الزاهي للغلاف، والتي تعكس حب الشعب الإيطالي للتنوع، والاحتفاء بالتميز من خلال امتلاك مرطبان بغلاف فريد وغير مكرر. وبالفعل تم بيعها بالكامل في إيطاليا في غضون شهر، مع ظهور العديد من الفيديوهات على مواقع التواصل الاجتماعي احتفالاً بامتلاك المرطبان الخاص بكل مستهلك، لقد استطاع الذكاء الاصطناعي تصميم الملايين من الأغلفة بدون تكرار، وفق المطلوب للهوية البصرية للحملة والمنتج معاً، ووفقاً للهدف من الحملة التسويقية المخصصة لكل مستهلك على حدىً عند اختياره الغلاف المفضل له.

يجب توجيه الانتقاد نحو الشركات التجارية في تخليها عن البشر عوضاً عن انتقاد الذكاء الاصطناعي

وسط المخاوف والانتقادات الواسعة للذكاء الاصطناعي، تتجه الآراء المهنية وخاصة لمصممي الغرافيكس نحو عدم القلق بشأن خسارة المصممين وظائفهم واستيلاء الذكاء الاصطناعي عليها بشكل كامل، لأن نقطة ضعفه مازالت تكمن في عدم قدرته على الاستماع للعملاء والتعاطف وتقييم الموقف والنتائج، لا يمكن للذكاء الاصطناعي وضع إطار للمشكلة ثم إيجاد الحلول لها، والأهم أنه لا يمكن للذكاء الاصطناعي النظر في تأثير النتيجة النهائية على الجمهور المستهدف، أما مصممي الغرافيكس البشريين يملكون تلك العناصر الهامة في مراحل التفكير الإبداعي وتقديمه للعالم بالطريقة الصحيحة، وهذا مايجب إدراكه من قبل كلاً من اصحاب الاعمال واصحاب المهنة على حد سواء.

باختصار يمكن القول بأنه لن يحل الذكاء الاصطناعي محل مصممي الغرافيكس، ولكن يمكنه استكمال فكرة إبداعية ما للمصمم البشري، وإثراء عمل المصممين وخاصة المبتدئين منهم، وقد بدأ بالفعل العديد من المصممين الاستعانة بالذكاء الاصطناعي ليكون شريك لهم في أعمالهم الفنية، والتي يتم فيها دمج إبداع العقل البشري مع إبداع الكمبيوتر، وقد برزت العديد من المواقع والبرامج التي تتيح لمصممي الغرافيكس وصف فكرة ما، أو تقديم تصميم ما لإعادة تنسيقه او صياغته بالدقة والسرعة المذهلة، مع الحفاظ على العنصر الفني المطلوب، أبرزها على سبيل المثل البرنامج الروبوتي “Midjourney” المثير للاهتمام حقاً.

الذكاء الاصطناعي داعم لمصممي الغرافيكس وليس منافس لهم..

يمكن أن تستغرق بعض أعمال التصميم وقتاً وجهداً طويلاً، وسنوات من التعلم والتدرب على الرسم بحرفية من خلال برامج التصميم، وحتى بالنسبة للمهام الصغيرة في التصميم التي يمكن أن تتراكم على المصمم، فيأتي هنا دور الذكاء الاصطناعي في تعزيز كفاءة وسرعة المصممين، يتم التعاون بينهما تحت إشراف المصمم وذوقه الفني أثناء معالجة وتنفيذ العمل المطلوب، مما يوفر وقت المصمم الثمين لتوجيهه نحو التركيز على التفكير الإبداعي للعمل، بينما يقوم الذكاء الاصطناعي بتنفيذ العمل الشاق للتصميم.

ونظراً لدور الذكاء الاصطناعي المتنامي في يومنا هذا في المهن التي تتطلب الإبداع، لابدّ من الاعتراف بأن الأدوات الحاسوبية دعمت هذا الفن بشكل كبير منذ اختراع الكمبيوتر الشخصي، وساهمت بانتشار مهنة تصميم الغرافيكي، وتوفيرها للعديد الفنانين من حيث تسهيل أدوات الرسم وتقنياته لغرض إنشاء اللوحات، وتحسين الصور بالمستوى الذي يرغب به المصمم، بما ساهم في اختصار وقت المصممين في سبيل الإبداع.

هذا ويتعدى دور الذكاء الاصطناعي في يومنا هذا بالإضافة لما سبق، بأنه يساهم بفاعلية قصوى في إثراء العمل الفني للمصمم من خلال عملية تحليل البيانات والخوارزميات، بأن يقدم اقتراحات للمصمم للتعديل على الصورة وفق نماذج متعددة للاختيار منها او دمج أفكار عديدة، وبالتأكيد للمصمم حرية الاختيار فيما سيكون عليه العمل النهائي، لكونه صاحب الرأي الأول الأخير في عملية التصميم وتنفيذ المشاريع، وهذا ما تقدمه العديد من المنصات على الانترنت متوفرة لدى الجميع وحتى الأشخاص العاديين من خارج مجال التصميم أهمها منصة Midjourney.

ماذا لدى Midjourney للمصممين؟

تتزايد شهرة هذا الروبوت، حيث يقدم برنامج ذكاء اصطناعي مخصص لإنشاء الصور من الأوصاف النصية.

وبناء على تجارب العديدين، يقدم Midjourney مستوى رائع من الفن وجودة فائقة للصورة، بدقة متناهية وأفكار منطقية وداعمة، كل هذا في وقت قياسي توفر على المصممين سنوات من العلم للوصول إلى الإبداع الفني لدى هذا الروبوت المذهل، وذلك حسب رأي العدد من ممتهني التصميم والذين بدأوا بالفعل الاستعانة به في أعمالهم ومشاريعهم.

يستطيع Midjourney وبجدارة فنية إنشاء صور ولوحات بناءً على أوصاف نصية، أي أنه يقوم بتجسيد وتطبيق الأفكار المقدمة من خلال شرح نصي للمستخدم، وبالتالي فهو يعتمد على ما يسمى بـ “Data Training” أي التعلم المستمر، فكلما تم تقديم بيانات أكثر كلما تسنى للبرنامج تقديم نتائج أفضل بناءً على عملية تدريب البيانات المتاحة على الشبكة العنكبوتية والتي باتت ضخمة في عصرنا الرقمي، ومعالجتها وربطها مع بعضها لينتج محتوى مرئي منطقي.

كما يستخدمه بعض المصممين على سبيل التسلية للتوقع بمستقبل شيء ما عن طريق سؤاله، ويقدم توقعه من خلال تحليل الاخبار والبيانات بتسلسلها الزمني على الانترنت مما يجعله برنامجاً مفتوح المصدر، أو يمكن للمصمم تقديم لوحته لاعادة رسمها بدقة فنية اعلى، وتقديم اقتراحات لتعديلها.

تم إطلاق المنصة منذ 12 تموز للعام 2022 وهو الإصدار التجريبي للموقع، ويعمل القائمون على هذا البرنامج على تحسين الخوارزميات فيه باستمرار.

كيف يرى الذكاء الاصطناعي المصممين البشريين؟

رغم انتقادات عديدة لهذا البرنامج، إلا أن مؤسسه / ديفيد هولز / يرى بأن الفنانين عملاء وليسوا منافسين لشركة ميدجورني، بالإضافة لأهمية هذا البرنامج في إمكانية تصميم عدة نماذج أولية وسريعة لعرضها على العملاء قبل بدء العمل بأنفسهم، مع ميزة تضمين أعمال الفنانين لحماية أعمالهم على الموقع بحقوق الطبع والنشر.

بعض إنجازات الذكاء الاصطناعي الخاص بـ Midjourney..

بعد تجربته من قبل العديد من الفنانين وإبداء إعجابهم به، تم استخدام روبوت ميدجورني من قبل مجلة “The Economist” البريطانية، وذلك في تصميم وإنشاء الغلاف الأمامي للمجلة في عدد لشهر يونيو لعام 2022 في إيطاليا.

كما فاز برنامج الذكاء الاصطناعي لـ Midjourney بالمركز الأول ضمن سابقة الفن الرقمي في أمريكا، وذلك عن صورة ” مسرح الأوبرا” والي سنعرضها لكم لتتعرف عزيزي القارئ على قدرة هذا البرنامج الفنية..

 

وأخيراً، بالعودة للتساؤل فيما هل يغلب الذكاء الاصطناعي مصممي الغرافيكس؟

الجواب هو على الأرجح لا، لا ينبغي أن تسعى التكنولوجيا إلى استبدال الخبرة الإبداعية لدى البشر، لاسيما في مجال تصميم الغرافيكي، بل يقدم بدلاً من ذلك فرصة لتعميق الاتصال البشري مع الكمبيوتر ليكونا كياناً واحداً، فهذا قدر كل منهما في العصر الرقمي والروبوتي, من خلال إغناء التجربة وتعزيزها، لجذب التركيز نحو تقديم الأفضل لهذا العالم المتطلب للخيال والإبداع والابتكار بشكل متزايد ومستمر, وهنا يمكن للفنانين تعظيم إمكاناتهم بسهولة، من خلال خبرته الفنية, وقدرة الكمبيوتر على تحليل والتعلم من البيانات المتاحة, لا يمكن للآلة أن تحل محل الشرارة الإبداعية للدماغ البشري, لكن يمكنها نقل الفن للمستوى الأعلى بالتأكيد.

 

 

Click to rate this post!
[Total: 2 Average: 3]

شاركنا بتعليقك أو رأيك

تابعنا على وسائل التواصل الإجتماعي