ماهي تنبؤات العرافين للتكنولوجيا؟
/ الجزء الأول /
قد لا يتفق مفهوم العرافين والتنجيم مع مفهوم العلم والتكنولوجيا في مقال معاً، إلا أنه وعلى ضمانة العلم والمنطق يُعد عرافي التكنولوجيا جديرين بالثقة أكثر من غيرهم، لأن المسار الحالي للعصر الرقمي المتغير والمتسارع بات من أكثر المواضيع التي تثير التوقعات وما سيكون عليه البشر في المستقبل, خاصة بأن التطور التقني الحديث تغلب على أي نموذج تطوري في تاريخ الأرض, ففي خلال مئة سنة يعتبر الكثير من العلماء أن تطور البشر يعادل تطورهم خلال آلاف السنوات الماضية من وجودهم على الأرض, وعليه فإن السؤال عن مستقبل البشر التقني موضوع هام, نظراً لأن التطور التكنولوجي سيستمر معنا ليغير حياتنا كما غيرها في القرن الأخير, فما هي التقنيات التي سيستخدمها البشر خلال العشر سنوات القادمة؟
أولاً: الذكاء الاصطناعي سيكون صاحب القرار في حياة البشر
لم يعد غريباً استبدال البشر أو استخدامهم للروبوتات والذكاء الاصطناعي، لكن الخبر الجديد سيكون استخدام روبوتات الذكاء الاصطناعي كمستشارين ومساعدين بجانب البشر، حيث سيصبح لدى الكمبيوتر أو الروبوت القدرة على التواصل بفعالية أكبر واتخاذ القرارات، والقيام بعملية التخطيط والإدراك بشكل قد ينافس البشر بالمنطق والسرعة، وعلى نطاق واسع وبتكلفة منخفضة.
يتم استنتاج هذا التوقع بسبب التحديث المستمر لقدرات الكمبيوتر حتى يصل للمستوى المتقدم لاجتياز اختبار تورينغ, وهو اختبار يهدف إلى تحديد قدرة الكمبيوتر على إقناع السائل بأنه بشر بالفعل, و يتم الاختبار على الشكل التالي:
يقوم أحد البشر بطرح عدة أسئلة حول موضوع معين على كمبيوتر من جهة وعلى إنسان من جهة أخرى، ويجيب كل منهما على الانسان الذي يطرح أسئلته، وبنهاية الاستجواب يقوم السائل بتحديد درجة إقناع كل منهما وتحديد فيما إن كان بشرياً أم كمبيوتر، وهكذا سيتم في نهاية المطاف استمرار تطور الحواسيب حتى تصبح شبيهة ومطابقة لدماغ البشر، بل وقد تنافسها كما يتوقع البعض، نظراً لسرعة الحواسيب في عمليات التحليل والبحث وجمع البيانات.
ثانياً: معدات الواقع الافتراضي ستصبح هي السائدة
وذلك بسبب الترقيات المستمرة للسماعات الرأسية ونظارات الواقع الافتراضي لتصبح بدقة مذهلة، فعلى سبيل المثال ستحصل معظم شاشات الواقع الافتراضي على أربع أضعاف دقة شاشاتها الحالية، مما يعني انعدام أي تشوهات مرئية للواقع الافتراضي لتصبح التجربة ممتعة، حقيقية وأقرب للواقع.
ثالثاً: الدماغ والحاسوب كيان واحد
على الرغم من أن فكرة التواصل بين الدماغ والحاسوب بشكل مباشر، بدون الحاجة لاستخدام أيدينا أو معدات الحاسوب قد تبدو بعيدة المنال حالياً، إلا أنها تقنية تم تمهيد الطريق لها، ويُرمز لها BCI أي / Brain-Computer Interface/، وتسمى باللغة العربية / واجهة الدماغ والحاسوب / والتي ستجعل الواقع الافتراضي مكاناً للتفاعل بشكل أكثر واقعية، مما سيمكّن الإنسان بأن يصدر أوامره لأي جهاز إلكتروني باستخدام نشاط دماغه أو التفكير بها فقط، وقد ساهمت هذه التقنية فعلاً بتسهيل حياة الأشخاص الذين لا يقدرون على الحركة، كما ستجعل ألعاب الفيديو أكثر متعة من خلال قراءتها لتفاعل اللاعبين، بالإضافة لإمكانية استخدام هذه التقنية في التسويق لمعرفة آراء العملاء، والتي قد لا يتم التعبير عنها بشكل صريح وواضح، وذلك عن طريق قراءة استجابة الدماغ للحملات الإعلانية.
رابعاً: سيعمل الحاسوب الكمي على تغيير العالم بدءاً من عام 2030م
على الرغم من سعره الباهظ، إلا أن الكمبيوترات الكمومية على طريقها لتصبح في متناول الجميع، ويختلف الكمبيوتر الكمّي عن الكمبيوتر الكلاسيكي بأنه يستخدم وحدات الكم الكمومية / كيوبت /, بينما يستخدم الحاسوب التقليدي وحدات / بت / المعروفة، مما يجعل أجهزة الحاسوب الكمية تتفوق على الكمبيوترات العادية بشكل خيالي، وذلك بسبب الخصائص الفيزيائية للكمبيوتر الكمي لزيادة عمليات السرعة بشكل مهول متفوقاً بذلك بآلاف المرات على أفضل الكمبيوترات العادية.
وبالتالي، ستتمكن شركتي IBM وGOOGLE من بناء كمبيوتر كمّي بقدرة مليون كيوبت، هذا الحاسوب الغير عادي لا يمكن لدماغ الانسان أن يتخيل قدرته الفائقة على التحليل وتشغيل الخوارزميات، حيث سيتمكن من إجراء عمليات حسابية خلال ثانية واحدة مقابل أن يستغرق فيها أفضل حاسوب كلاسيكي 9000 آلاف سنة لتنفيذها، مما سيحدث ثورة في التعلم الآلي والروبوتي، وتحسين الذكاء الاصطناعي، وتقدم مذهل للعلوم في الطب، الفضاء، الكيمياء والفيزياء وصولاً إلى المستوى دون الذري، وترقية مفهوم التشفير والنماذج المالية والأمن السبيراني في جميع مجالاته، وحتى الأدوية والتنبؤ بالطقس ومجالات لا يمكن حصرها سيتم ترقيتها لمستوى جديد لم تعرفه الإنسانية بعد, باختصار سيظهر شكل جديد للعالم بوجود الحواسيب الكميّة.
خامساً: ظهور الانترنت الكمي فائق السرعة والتشفير
استكمالاً للحواسيب الكمومية أو / الكميّة /، ستنتقل هذه التكنولوجيا للإنترنت، حيث يتوقع العلماء أننا سنرى أول نموذج وطني للإنترنت الكمّي في الولايات المتحدة الأمريكية بحلول 2030م، فبالإضافة لإمكانية نقل بيانات ضخمة عبره وبوقت قصير لمسافات بعيدة، سيُستخدم هذا الإنترنت بشكل أساسي لإرسال البيانات التي لا يمكن اختراقها أو اعتراضها كما في الانترنت التقليدي، حيث يعمل الإنترنت الكمومي في عملية تبادل البيانات والمعلومات على إشارات الكم بدلاً من موجات الراديو كما في الإنترنت الحالي، وذلك على هيئة كيوبتات، وذلك فقط عبر أجهزة حواسيب كمومية متعددة ومنفصلة مادياً، وأيضاً عبر قنوات كمومية فقط.
ويكمن الفرق الجوهري هنا، بأن الإنترنت الكلاسيكي يتم فيه نقل البيانات عبر الألياف الضوئية والبتات الرقمية المشفرة, فعلى الرغم من أن الضوء يبدو أسرع لكنه يقع في مشكلة كبيرة وهي فقدان الإشارة الضوئية في نهاية المسار، وهذا ما يضع حداً لتقنية الاتصالات الرقمية الكلاسيكية، أما تقنية النقل الكمّي فتتميز بالحفاظ على المعلومات بشكل سليم دون فقدانها أثناء تبادلها ضمن مسافات بعيدة, بالإضافة لعنصر الأمان, حيث سيتم تخريب البيانات أثناء إرسالها أو استقبالها، عند اكتشاف أي عملية اعتراض أو اختراق أثناء تبادل البيانات، بالإضافة لقطع الاتصال بين الطرفين.
أما بالنسبة لعلماء ميكانيكا الكم، فيتوقع العديد منهم أنه الإنترنت الكمي سيكون جنباً إلى جنب مع الإنترنت الكلاسيكي الذي نستخدمه في يومنا هذا، ولن نتمكن في المستقبل القريب على الأقل أن يتم استخدام الإنترنت الكمي لإجراء عمليات التصفح والمراسلة التقليدية، ستكون أهميته في إمكانية البشر للتواصل عبر مسافات بعيدة جداً وبأمان، وسيكون للإنترنت الكمي شكل جديد من تطبيقات استخدامه، مما سيؤدي إلى تغيير شكل الإنترنت الحالي بشكل كبير في المستقبل البعيد.
سادساً: سنبدأ استخدام طابعة الأعضاء البشرية ثلاثية الأبعاد
نعم عزيزي القارئ هذه حقيقة سيشهدها البشر في العقود القريبة المقبلة، بدءاً من العام 2030 م سيتم استخدام الطباعة ثلاثية الأبعاد لبناء أنظمة بيولوجية حيّة، حيث ستتمكن هذه الطابعة في البداية ببناء وتصنيع مكونات بسيطة عبر طبقات متعددة من الخلايا، مثل الأوعية الدموية والأنسجة، ووضعها بالضبط في المكان المطلوب بدقة ميكروسكوبية فائقة، ثم سيتم طباعة أعضاء بسيطة نسبياً، إلى أن يتم طباعة غالبية الأعضاء البشرية بنجاح، إن لم يكن جميعها بحلول العقود القادمة.
سابعاً: عمليات زرع غرسات الذاكرة في الدماغ
يتوقع العلماء أنه بحلول ثلاثينات إلى أربعينيات القرن الحالي، ستصبح الشرائح والغرسات المزروعة في الدماغ قادرة على أن تغني الانسان عن عملية الحفظ والتعلم، وبشكل أهم ستمكّن هذه التكنولوجيا الأشخاص فاقدي الذاكرة من استرجاع ذكرياتهم المفقودة، وإصلاح الأضرار الناجمة عن مرض الزهايمر والسكتات الدماغية أو حتى ضحايا الإصابات أو الحوادث.
وذلك بفضل قدرة هذه الأجهزة الصغيرة المزروعة في الدماغ على محاكاة الإشارات الكهروكيميائية، والتي تشارك في دمج المعلومات من الذاكرة قصيرة المدى إلى الذاكرة طويلة المدى.
ثامناً: إطلاق رحلة سبيس إكس الأولى للبشر نحو المريخ
سيشهد العالم بحلول عام 2024م بدايات تحقق حلم تيسلا ورئيسها التنفيذي إيلون ماسك، وحلم العديد من البشر في غزو المريخ، حيث سينطلق رواد فضاء سبيس إكس نحو المريخ، ويتوقع وصولهم للكوكب الأحمر في عام 2025م، على متن مركبة / سبيس إكس ستارشيب / باستخدام صاروخ / سوبر هيفي / للوصول هناك.
سيصطحب رواد الفضاء معهم روبوتات، وذلك لأداء أنشطة عديدة وتصنيع مواد وأجزاء أساسية لطاقم الرحلة على المريخ، وكما أنها ستقوم بإنتاج وقود للصواريخ المعتمدة على غاز الميتان من أجل رحلة العودة إلى الأرض.
تاسعاً: ترقية الجينات البشرية عبر الاصطفاء الاصطناعي
سيسطر الإنسان على عملية تطوره هذه المرة بعيداً عن عملية الاصطفاء الطبيعي الذي لطالما شهدته الحياة على الأرض، وبحلول عام 2025م ستصبح عمليات اختبار الحمض النووي أقل تكلفة وأكثر سرعة، مما سيمكّن البشر من ترتيب الجينات البشرية وتسلسلها لأكثر من مليار إنسان وهو ما يمثل ثُمن سكان الأرض، سيتم جمع معلوماتهم وبياناتهم الجينية الضخمة والتي ستتخطى مقياس إكسابايت، وهو حجم أكبر بكثير من محتوى اليوتيوب بأكمله.
ستكون تلك البيانات الجينية أداة لتحديد اضطرابات متعددة مرتبطة بجينات معينة، وبشكل سهل نسبياً باستخدام الذكاء الاصطناعي، سيكون الهدف الأول هو تحديد الجينات المسؤولة عن الاضطرابات المعرفية وقلة الذكاء واستبعادها، وخاصة أن معدل الذكاء يرتبط بالجينات بنسبة 75% لدى الفرد، وبالتالي فإن تحديد الجينات واستغلالها علمياً وطبياً يمكن أن يلعب دوراً كبيراً في إنجاب بشر بمعدلات ذكاء عالية في العقود المقبلة.
عاشراً: إنترنت أسرع بـ 100 مرة من 5G
بحلول 2030م سنشهد شبكة 6G، بينما يقدر بعض الخبراء وصوله إلى مئات الأضعاف في العقود المقبلة، وهو ما يعادل سرعة 1تيرابايت في الثانية، والتي يمكنك من خلالها تنزيل 142 ساعة من أفلام Netflix في ثانية واحدة فقط.
ستتيح السرعات العالية للإنترنت بدءاً من 6G من دعم الفضاء الإلكتروني للفكر والإنتاج البشري بمختلف مجالاته، وأيضاً تحسين تقنية الدماغ-الحاسوب للتواصل بفعالية قصوى بين الدماغ والكمبيوتر بشكل مباشر، وبالتالي ترقية تجربة الواقع الافتراضي للبشر سواء لاستخدمها في التسلية أو التسويق وغيرها.
ستمكّن السرعات المذهلة للإنترنت بنقل مستوى إنترنت الأشياء لتكون تقنية متطورة بشكل كبير وفعال في المستقبل، لتحسين مجالات عديدة، على سبيل المثال ستحرز البشرية تقدماً في مجال الملاحة والفضاء والزراعة والتجارب العلمية وغيرها العديد، مما سيساهم بتطور البشر بشكل كبير.
ويشير مصطلح إنترنت الأشياء إلى نظام من الأجهزة المترابطة مع بعضها لتبادل البيانات والمعلومات، حيث تتيح هذه التقنية إضافة جهاز تتبع إلى كائن خامل مثل المركبات، الآلات، الأنظمة الإلكترونية للمصانع وأجهزة تتبع الكائنات الحية، وأنظمة الإضاءة وأمن الأبنية وغيرها الكثير، وذلك باستخدام أجهزة استشعار مدمجة لتوصيلها بشبكة اتصال بهدف نقل البيانات المطلوبة بشكل مباشر، دون الحاجة إلى التفاعل بين إنسان والكمبيوتر، وهكذا فإن السرعات المذهلة للإنترنت ونقل البيانات ضمن شبكات الاتصال سيرفع من مستوى عديد من المجالات لخدمة البشر.
إلى هنا، ينتهي الجزء الأول من تنبؤات التكنولوجيا في المستقبل، على الرغم من أننا نجد عصرنا الرقمي متسارع ومتقدم بشكل كبير، إلا أننا سنشهد في السنوات القادمة مصطلحات جديدة مثل الكمبيوتر التقليدي، والانترنت التقليدي، والعديد من التقنيات التي ستصبح تقليدية، سندرك في المستقبل أن الأجهزة المتطورة في حاضرنا اليوم ستكون أبجديات في لغة العصر التكنولوجي القادم، ولحسن الحظ أننا في زمن يعيش الإنسان عمراً أطول بالنسبة لسابقه، وفي زمن تتقدم فيه التكنولوجيا والاختراعات العلمية مع تقدم عقرب الثواني في ساعاتنا.