نظرية النوافذ المحطمة : هي نظرية في علم الجريمة لإرساء القواعد والإشارة إلى تأثير الفوضى والتَخريب على المناطق الحضرية المتمثلة بالجرائم والسَلوكيات المعادية للمجتمع . نظرية النَوافذ المحطمة ، هي نتاج فكر المُنظرين (واصفي) النَظريات في علم الجريمة “جيمس ويلسون وجورج كيلنج” . النَظرية بسيطة للغاية ويمكن تقريبها إلى أن الأمور الكبيرة تبدأ صغيرة ثمَ تتطور وتكبر . ومن وجهة نظر المنظَران . أنَ الجريمة هي نتاج الفوضى وعدم الالتزام بالنظام في المجتمعات البَشرية .
تجربة عالم النَفس والاجتماع “فيليب زمباردو” في نظرية النَوافذ المحطمة :
أجرى “فيليب زمباردو” ، وهو عالم نفس واجتماع ، تجربة في عام 1969م أصبحت فيما بعد واحدةً من أشهر التَجارب في دراسات علم الجريمة بشكلٍ خاص وفي العلوم الاجتماعية على نحوٍ عام . فقد قام العالم بترك سيارتين بأبوابٍ مفتوحةٍ ولوحات أرقام مفقودة في منطقتين مختلفتين ، إحداهما في حي فقير والأخرى كانت في حي غني . بدأ المارة في الحيَ الفقير بسرقة وتخريب السَيارة في بضع دقائق وتمَ تدميرها بالكامل في غضون ثلاثة أيام . وتطلب الأمر وقتاً أطول للمارة في المنطقة الغنيَة لبدء تدمير السَيارة ، ممَا دفع “زمباردو” للتدخل بكسر إحدى نوافذ السَيارة ، فبدأ النَاس بتكسير المزيد من النَوافذ وسرقة السَيارة واستغرق الأمر وقتاً مشابهاً للحيَ الفقير لجعل السَيارة بالكامل خردة في بضعة أيام .
ما يثير الاهتمام في هذه الدَراسات أنَ الأشخاص الذين قاموا بالتخريب المتَعمد للسيارات والمباني لم يكونوا مجرمين ، وكان معظمهم من عامة النَاس والمواطنين الملتزمين بالقانون . إنَ النَافذة المحطمة أرسلت رسالة غير مباشرة بأنه “لا أحد يهتم وعلى الأرجح لا توجد عواقب لإتلاف ما تمَ كسره أصلاَ” .
تطبيق نظرية النَوافذ المحطمة في بيئة العمل والشَركات :
يمكن لمديري الأعمال استخدام نظرية النَوافذ المحطمة لتحسين أداء القوى العاملة بشكل استراتيجي من خلال الحدَ من سلوك الموظف غير المرغوب فيه ، وتشجيع السَلوك الإيجابي للعملاء .
وقد تمَ تطبيق نظرية النَوافذ المحطمة مؤخراً لتعزيز الثَقافة التَنظيمية في مكان العمل ولبناء بيئة عمل أخلاقية ، وهي تنص على أن الشَركة يجب أن تهتم بالقضايا والمشاكل الصَغيرة أولاً لتفادي المشاكل الأكبر في المستقبل .
على سبيل المثال : يجب التَعامل بسرعة مع مسألة أخذ أو سرقة اللوازم المكتبية أو إساءة استخدام المعدَات الالكترونية للشركة لتجنب احتمالية وقوع الجرائم الأكبر من ذلك مثل الاحتيال .
تحدث النَافذة المحطمة في بيئة العمل عندما تتجاهل الشَركات أو المنظمات العلامات المبَكرة للسلوك السيء الذي يتجلى لاحقاً في سلوك القائد الأعلى ومن الممكن أن يضرَ بسمعة المنظمة . يجب على المدير الأعلى أن يضع قوانين وقواعد تسري على كلَ المنظمة بحيث يتم التَعامل مع القضايا والأشياء الصَغيرة بسرعة لدرء الجرائم الأكثر خطورة .
يمكن أن تكون نظرية النَوافذ المحطمة أكثر نجاحاً إذا وضعت المنظمة سياسات واضحة ، بحيث لا يمكن التَغاضي عن السلوك السَيء . تقدم نظرية النَوافذ المحطمة مثالاً رائعاً على سبب كون الثقافة الأخلاقية للشركة أمراً يجب أن يظل أحد الأولويات القصوى لعمليات الشَركة . لقد تمَت دراسة أنَ ” في مكان العمل ، غالباً ما يكون لقيم الشَركة تأثير أكبر على القرارات من القيم الخاصة بالفرد . يتم اتخاذ القرارات الأخلاقية في مكان العمل بشكل مشترك في مجموعات العمل أو الإعدادات التَنظيمية الأخرى . وتخضع لسلوك النَافذة المحطمة ، القيم الشخصية والتَصرف بشكل غير أخلاقي والتَعرض للآخرين الذين يتصرفون بشكل أخلاقي وهناك بعض الأسباب التي تجعل ذلك صحيحاً . أنَ العديد من الشَركات ترغب في ضمان مكان عمل أخلاقي وتعتقد أنها قامت بذلك ، إلا أنَ هذا الاعتقاد لا يعكس بالضرورة الحقيقة . في دراسة استقصائية أجراها معهد الأخلاقيات والامتثال “((ECI في عام 2018م” ، تمَ الكشف عن أن 47% من المستجيبين قد شهدوا سابقاً أفعالاً تنتهك إما القانون أو المعايير الأخلاقية للشركة ، وغالباً من يرتكب هذه الانتهاكات والجرائم أشخاص في الإدارة أو في منصب إداري أو مشرف . لا يقتصر الأمر على الفعل المطروح بل الرسالة التي يتم إرسالها عندما لا يتم فعل أي شيء حيال السَلوك غير الأخلاقي . أي أن ذلك يحرض الغير على ممارسة سلوكيات غير أخلاقية وغير مهنية بالعمل ويؤدي ذلك إلى إنتاجية أقل وربح متناقص وسمعة سيئة للشركة .
ما الذي يمكن أن تفعله الشَركة للتخفيف والحد من السلوك السيء ؟
من النَاحية التَاريخيَة ، يبدو أنَ الطريقة الأكثر فعالية لتشجيع السَلوك الأخلاقي في مكان العمل هي خلق ثقافة قوَية تدور حوله . من الضَروري أن يقوموا بتنفيذ برنامج يحدد عناصر الأخلاق والقيم والامتثال التي يتوقع من الموظفين التَمسك بها وتكون هذه العناصر واضحة ويتم التَرويج لها في جميع أنحاء الشَركة . يعتبر الالتزام في السَلوك الأخلاقي في أعلى الهرم الإداري أمراً بالغ الأهمية لنجاح ذلك ، لأن غالبية الانتهاكات تأتي من المناصب الإدارية. لذلك يجب على من هم في مناصب قيادية دعم هذه المعايير بشكل واضح وتحقيق أهداف الأداء ، وكذلك تشجيع أي شخص على التَكلم إذا شهد سلوك سيء .
بعض الطَرق التي يمكن من خلالها القيام بالحد من السَلوك السَيء في الشَركات :
- وضع سياسات واضحة .
- وضع برنامج تدريبي مطَور يغرس هذه القيم .
- يجب تعيين مسؤول رفيع المستوى ذو خبرة وكفاءة للإشراف على الامتثال لهذه السياسات .
- يجب على المدققين الداخليين التَحقيق أيضاً .
- تعتبر الضوابط الداخلية ضرورية في هذه العملية ويجب ان تكون قوَية من أجل منع واكتشاف أي سلوكيات لا تتوافق مع سياسات الشَركة .
- يجب أن يكون هناك سياسات مطبقة لحماية المبلغين عن المخالفات .
- يجب أن يوجد دليل إرشادي للموظفين للحصول على إرشادات حول السَلوك الذي ليسوا متأكدين منه .
- يجب توبيخ ومعاقبة أولئك الذين لا يلتزمون بالمعايير الأخلاقية للشركات .
- يجب تشجيع ومكافأة الذين يمتثلون ويلتزمون بالمعايير الأخلاقية للشركات .
في النَهاية ستحصد الشَركة ما تزرعه . إذا لم يبذلوا جهداً لتثبيط السَلوك الأخلاقي السَيء من البداية ، فمن المحتمل أن يحتاجوا إلى بذل المزيد من الجهد لتنظيف الفوضى وآثارها المتبقية في المستقبل .
( “جوهر النظَرية : مبني على علم النَفس البشري الذي يقول بأن الإنسان لديه قدرة وحب الانضباط والالتزام بالقوانين والآداب العامة متى ما توفرت له البيئة المشجَعة على ذلك ، وسرعان ما ينفك من هذا الالتزام متى ما رأى الانفلات من حوله !!”) .