هل ستختفي العملات الرقمية؟ هل انتهى مشوارها إلى الأبد أم أنها كبوة في مسيرتها المستمرة؟
في حال أنك كنت تتمنى امتلاك العملات الرقمية خاصة عند ازدهارها بشكل يفوق التوقعات خلال العامين 2020 وحتى خريف 2021, على الأرجح أنك لست تتمنى شراؤها بعد الآن, فبعد هبوط أسعارها للمستويات التي قاربت الصفر لدى بعضها، يتوقع بعض المحللين أنها بداية النهاية لتشفير الأموال واختفاء العملات الرقمية منذ تداولها لأول المرة في عام 2009, فيما يراها البعض الآخر كبوة في مسيرتها التي ستكون مستمرة نحو المستقبل ولابدّ, سنأتي في هذا المقال على ذكر بعض المفاهيم, واستعراض آراء بعض الخبراء التي من الممكن أن نتوقع من خلالها إمكانية استمرار العملات الرقمية في المستقبل, أم أن تساؤل “هل ستختفي العملات الرقمية يحمل الإجابة المؤكدة لذلك؟.
أولاً: مفهوم المركزية أو اللامركزية في التعامل يؤدي إلى تباين مصير العملة المشفرة ما بين الاستمرار أو الموت
حسناً، لتبسيط مفهوم مركزية التعامل لدى العملات المشفرة أي ما يسمى “تبادل العملات المشفرة المركزي” أو “Centralized Cryptocurrency Exchange”, يشير هذا المصطلح إلى تداول العملات الرقمية عبر وسيط أو طرف ثالت لتنفيذ التداول، بالتالي فإن مفهوم اللامركزية في تبادل العملات الرقمية “Decentralized Cryptocurrency Exchange”, فيشير إلى البيع أو الشراء لها بشكل مباشر بين البائع والشاري بدون أي وسيط أو طرف ثالث, يمكنك تخيلها بما يشابه البورصة المالية ولكنها للعملات الرقمية, أشهرها عبر منصات لتداول العملات الرقمية بالسعر السائد, وذلك بناء على عرض وطلب العملة الرقمية, أبرز منصات تداول العملات المشفرة Binance – Coinbase – Kraken وغيرها.
وعلى الرغم من أن التبادلات اللامركزية تعد أكثر أماناً من مركزية العملات الرقمية, وأقل تكلفة بسبب توفير العمولات للوسيط وتمنح مساحة أكبر للسرية والخصوصية, ذلك لأنها توفر حماية أكثر من المتسللين ومن مخاطر التداول, عبر تخفيض نسبة اختراق الطرف الوسيط وبالتالي خسارة أموالك الرقمية، مثل منصة DEXs و Kyber , إلا أن العملات الرقمية المركزية تستحوذ على ثقة المتعاملين بنسبة أكبر, فهي بالفعل الوسيلة الأكثر شيوعاً لشراء وبيع العملات المشفرة, لأن التعامل الفردي في العملات المشفرة لا يوحي للمتعامل لها بنفس درجة الأمان والإدارة والرقابة للتبادل كما هو متوفر عبر الوسيط, بسبب إحساس المتعامل بوجوده ضمن وسط مهني للعملات المشفرة ولا يقوم بذلك لوحده, أو لأسباب غيرها على سبيل المثال يمكن ببساطة أن ينسى الفرد مفتاح المحفظة السري ليخسر أمواله, بالإضافة لأن التعامل المركزي للعملات المشفرة يتيح فرصة أكبر لإيجاد شركاء تجاريين جدد, عبر شبكة واسعة من المتعاملين في العملات الرقمية وهذا ما يعد ميزة رائعة في مجال ريادة الأعمال.
والآن بعد توضيح مفهوم المركزية في تبادل العملات المشفرة, نستعرض رأي رجل الأعمال “سامسون ماو” حيث يؤمن باستمرارية العملات اللامركزية والعكس بالنسبة للعملات المركزية التي يتوقع زوالها إلى الأبد، وهو مؤسس والرئيس التنفيذي لشركة “JAN3” التي تدعم عملة “بيتكوين” لتصبح عملة قانونية, لأنها عملة غير مركزية بدءاً من السلفادور التي تبنتها فعلاً.
صرّح “Samson Mao” لموقع Currency.com:
يمكن أن يختفي التشفير إلى الأبد لأنه مجرد مشاريع مركزية تنشئ الرموز والعملات حسب الرغبة، حيث يوجد الآن أكثر من عشرين ألف مشروع تشفير رقمي, ومعظمها لا طائل من ورائه، ومع ذلك لن تختفي عملة بيتكوين لأنها في الواقع لامركزية ولاتزال مطلوبة بشدة كبديل للأموال التقليدية من قبل الأفراد والشركات وعلى المستوى القومي والإقليمي للدول.
وبحسب الموقع فإنه لدى سامسون ماو منطق في رأيه هذا, وخاصة بعد ظهور نوع من العملات الرقمية تدعى “MeMe” التي يتم إطلاقها كأصول رقمية رمزية لحدث معين، أبرزها على سبيل المثال إطلاق عملة تسمى “ويل سميث إينو”, بعد ساعات فقط من صفع الممثل العالمي ويل سميث لكريس روك في حفل جوائز الأوسكار، وكانت قيمة العملة ترتفع وتنخفض بسرعة وميض الضوء المتصادم بين حائطين.
لذا، وبحسب ما أرى أن هذه السهولة في إطلاق الأصول الرقمية وعدم استقرارها لن يؤدي حتماً إلا إلى انهيارها, لأن المستثمرين العاطفيين لها ولهذا الحدث ستجذب أموالهم عملات غيرها لتزاحم ما سبقها من هذا النوع من العملات، وهذا ما يجعلها لا ترقى إلى المستوى التي وصلت إليه بعض العملات المشفرة, كأن تصبح أداة مالية مرغوبة في المستقبل القريب.
ثانيا: هل ستصبح العملات الرقمية أداة مالية مثيرة للاهتمام في الأشهر والسنوات القادمة؟
هذا ما تساءل عنه الناقد والكاتب في مجال العملات المشفرة “ديفيد جيرارد”, والذي يتابع عن كثب تجاوزات وخدع التشفير، حيث يعتقد أن العملات المشفرة وخاصة عملة بيتكوين سترافقنا للعقود الآتية حتماً، نظراً لعدم تطلب إنشاء العملة الرقمية سوى البرنامج والبيانات وعملية التشفير، واثنين أو أكثر من المتحمسين لها.
ويرى جيرارد أن طبيعة تداول عملة بيتكوين في الأصل من خلال الأموال الخارجة عن رقابة الحكومة، ولازالت حتى الآن حالة الاستخدام لهذه العملة لا تخضع لأي تدقيق حكومي، رغم أنه ليس من الخطأ دائماً أن يتم تداولها خارج رقابة الحكومات, لأنها قد تكون مزعجة في بعض الأحيان وغير صحيحة أحياناً في قراراتها, بشكل خاص في مجال هذا النوع من الأموال الرقمية، إلا أنه لن تستمر حالة عدم سيطرة الرقابة الحكومية على العملات المشفرة إلى الأبد.
لذا يتوقع جيرارد أن التنظيم الحكومي للعملات المشفرة سيتم من خلال إقامة علاقات أوثق بين العملات المشفرة والمؤسسات المالية للحكومات وغيرها، وسيكون لها سعر في السوق بشكل دائم طالما أنها تحولت إلى شكل من الأصول أو الممتلكات، لذا فمن غير المحتمل أن تختفي تلك الأصول أو الممتلكات الرقمية مع زيادة احتمالية أن يتم فرض قيود تنظيمية في عمليات تداولها.
وبرأي الشخصي فإن التخطيط الحكومي لتنظيم تداول العملات المشفرة يعتبر الخطوة الأولى للاعتراف بها سمياً كأصول للتداول وأداة تمويل رسمية، حيث لا يمكن أن يتراجع دور العملات الرقمية للمستوى الذي يهدد انهيارها إلى الأبد وهذا ما يدعو للتفاؤل في سوق العملات المشفرة التي سنشهدها مستقبلاً.
ثالثا: إنها نقطة الـ لا رجوع للعملات الرقمية واستمرار نموها
تتفاءل رئيسة الأبحاث لدى موقع CoinMarketCap حيث ترى بأن صناعة العملات المشفرة قد نضجت بشكل كبير مع زيادة التمويل من قبل شركات رأس المال الاستثماري, بمقدار 37 مليار دولار منذ 2020 حتى 2022 وهو التمويل الذي يبلغ ثلاث أضعاف ونصف التمويل في السنوات الخمس قبل 2020, فإن هذا التبني الهيكلي للعملات الرقمية يشير إلى دمج التشفير مع التمويل من قبل منصات كبيرة في مجالات أسواق رأس المال والتجارة الإلكترونية وبعض حالات الاستخدام الفعلية في القطاع العام، أي الحكومي.
أما المراسلة المستقلة في ميدان العملات الرقمية ” إيمي كاستور”, ترى أن عملة بيتكوين مرت بعدة فقاعات لكنها لن تختفي، إلا أنها تتوقع أن تشهد بيتكوين والعملات الرقمية بشكل عام مستويات منخفضة في المستقبل القريب، وتتفق مع ديفيد جيرارد في أهمية وجود تنظيم للعملات الرقمية لزيادة الأمان وحماية المستثمرين وخاصة الصغار منهم في تداول العملات الرقمية.
إلى هنا, نجد في آراء المحللين ما يدعو للتفاؤل في بعض العملات الرقمية وإجابة بالتأكيد على سؤال فيما هل ستختفي العملات الرقمية إلى الأبد أم ستستمر, أهمها عملة بيتكوين التي وصلت لمنحى يشابه العملات التقليدية في السوق المالي والاستثمار، على الرغم من انهيار أغلب العملات الرقمية وعلى ما يبدو إلى الأبد، إلا أن الفكرة لن تموت والتشفير يشهد نمواً مليء بالهاويات والانهيارات إلا أنه نمواً على المدى الطويل للخط الزمني المتصاعد الذي ترسمه العملات المشفرة منذ ابتكارها وتداولها لأول مرة, خاصة بعد ارتباطها بمؤشرات الأسوق المالية الرئيسية وتأثرها بموجة نزوح المستثمرين عنها إلى العملات التقليدية بعد جائحة كورونا و الحرب في أوكرانيا كون العملات الرقمية أصول ذات مخاطر عالية, وهذا ما يعكس ضعف سوق التشفير إلا أنها ستشهد نمواً مليئاً بالأحداث المثيرة والممتعة لمتابعي أسواق المال والاستثمار, وستشهد أحداثاً قادمة ذات تأثير كبير على عالم المال ومسيرتها بالمجمل في المستقبل.